رجل حجّ أربعين سنة ولم يتقبّل الله حجّه أربعين عامًا
عن مالك بن دينار رحمه الله قال: بينما أنا أطوفُ بالبيت الحرام إذ أعجبني كثرةُ الحجّاج والمعتمرين، فقلت: ليت شعري مَن المقبولُ منهم فأهنّئه، ومِن المردود منهم فأعزّيه.
فلمّا كان الليل رأيتُ في منامي قائلًا يقول: مالك بن دينار! تسأل عن الحجّاج والمعتمرين؟ قد غفر الله لهم أجمعين، الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الأسود والأحمر، إلّا رجلًا واحدًا، فإنّ الله تعالى عليه غضبان، وقد ردّ الله حجّه، وضرب به في وجهه.
قال مالك بن دينار رحمه الله: فنمتُ بليلةٍ لا يعملها إلّا الله عزّ وجلّ، وخشيتُ أنْ أكون ذلك الرجل.
فلمّا كانت الليلة الثانية رأيتُ في منامي مثل ذلك، غير أنّه قيل لي: لستَ أنتَ ذلك الرجل، بل هو مِن خراسان مِن مدينة بلخ، يقال له: محمّد بن هارون البلخي.
فلمّا أصبحتُ أتيتُ قبائل خراسان، فقلتُ: أخيكم محمّد بن هارون؟
قالوا: بخ بخ، تسأل عن رجلٍ ليس بخراسان أعبد ولا أزهد منه ولا أقرأ منه.
فعجبتُ مِن جميل ثناء الناس عليه وما رأيتُ في منامي، فقلت: أرشدوني إليه.
قالوا: إنّه منذ أربعين سنة يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يأوي إلّا الخراب، ونظنّه في خرائب مكّة.
فجعلتُ أُجوّلُ في الخرابات، فإذا هو قائمٌ خلف جدار، وإذا يده اليمنى معلّقة في عنقه، وقد شدّها بقيدَين عظيمَين إلى قدمَيه، وهو راكع وساجد، فلمّا أحسّ بهمس قدمي، قال: مَن تكون؟
قلتُ: مالك بن دينار.
قال: يا مالك! ما جاء بك إليَّ؟ إنْ كنتَ رأيتَ رؤيا فاقْصُصْها عليَّ.
قلتُ: أستحي أنْ أقولها.
قال: بل قُلْ.
فقصصتُها عليه، فبكى طويلًا، وقال: كنتُ أكثر شرب المسكر، فشربتُ يومًا عند خدن لي حتّى ثملتُ وزال عقلي، فأتيتُ منزلي فدخلتُ، فإذا بأمِّي توقد تنوّرًا لنا، فلمّا رأتني أتمايل بسكري، أقبلَتْ تطعمني، وتقول: هذا آخر يوم من شعبان وأوّل ليلة من رمضان، يصبح الناسُ صوّامًا، وتصبح سكران!! أما تستحي مِن الله؟
فرفعتُ يدي فلكزتُها، فقالت: تعست.
فغضبتُ لقولها وحملتُها بسكري ورميتُ بها في التنّور.
فلمَّا رأتني امرأتي، أدخلَتني بيتًا وأغلقَتْ عليّ.
فلمّا كان آخر الليل ذهب سكري، دعوتُ زوجتي لفتح الباب.
فأجابتني بجوابٍ فيه جفاء
فقلتُ: ويحك ما هذا الجفاء؟
قالت: تستأهلّ ألّا أرحمك.
قلتُ: لم؟
قالتْ: قتلتَ أمَّك، رميتَ بها في التنّور فاحترقَتْ.
فخرجتُ إلى التنّور فإذا هي كالرغيف المحروق، فخرجتُ وتصدّقتُ بمالي، وأعتقتُ عبيدي، وأنا منذ أربعين سنة أصومُ النهار وأقومُ الليل، وأحجُّ كلَّ سنة، ويرى لي كلّ سنة عابد مثلك هذه الرؤيا.
فنفضت يدي في وجهه، وقلتُ: يا مشؤوم، كدتَ تحرق الأرض وما عليها بنارك، وغبتُ عنه بحيث أسمعُ حسّه ولا أرى شخصه فرفع يديه إلى السماء، وقال: يا فارج الهمّ وكاشف الغمّ! يجيب دعوة المضطرين، أعوذُ برضاك مِن سخطك، وبمعافاتك مِن عقوبتك، ولا تقطع رجائي، وتخيب دعائي.
فذهبتُ إلى منزلي ونمتُ، فرأيتُ في المنام قائلًا يقول: يا مالك! لا تقنِّطِ الناسَ مِن رحمة الله، إنَّ الله اطّلع مِن الملأ الأعلى إلى محمّد بن هارون فاستجاب دعوته، وأقال عثرتُه، عُدْ إليه وقل له: إنّ الله يجمع الخلائق يوم القيامة، ويقتصّ للجَمّاء مِن القَرناء، ويجمع بينك وبين والدتك، فيحكم لها عليك، ويذيقك النار، ثمّ يهبك لأمّك[1].
تعليقات
إرسال تعليق