السبت، 30 يناير 2021

المؤمن من تسره الحسنة

على خُطى الرَّسول ﷺ
إذا عَمِلَ حَسَنَةً سرَّته

جاء رجلٌ إلى أبي ذرٍّ، وسأله عن الإيمان، فقرأ عليه أبو ذرٍّ قول الله تعالى: " لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ "
فقال الرَّجلُ: ليسَ عن البرِّ سألتك!
فقال له أبو ذرٍّ: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه، فقرأ عليه كما قرأتُ عليكَ، فقال له الذي قلتَ لي، فلما أبى أن يرضى، قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أُدْنُ مني!
فلما دنا منه، قال له: إنَّ المؤمن إذا عمل الحسنة سرَّته، ورجا ثوابها، وإذا عملَ السَّيئة ساءته، وخاف عقابها!

إذا سرَّتكَ حسنتُكَ، فأنتَ مؤمن!
الدنيا مزرعة الآخرة، ونحن نزرع فيها، والحصاد غداً حين نُقبلُ على الله تعالى، والمؤمن هو الذي إذا بذرَ بذرة خير في الدنيا، وجد سعادة في نفسه، وراحةً في قلبه، يعلمُ يقيناً أنه أراد بهذه الحسنة وجه الله تعالى، وأنه لاقيه لا محالة، وأنه لا أحد أوفى من الله، وأنه سيحسِنَ له الجزاء

وإذا ساءتكَ سيئتكَ فأنتَ مؤمن!
كلنا ذو خطأ، ولو كان للذنوب رائحة ما جالس أحدٌ أحداً، فسبحان من ستر منا ما نكره أن يراه الناس، ونشر لنا ما نحبُّ أن يراه الناس! يقعُ الذَّنبُ من المؤمن، فتجده يحزن، وينكسر قلبه، فيسارع على الفور بالعودة إلى الله، صلاةً، واستغفاراً، وصدقةً، وقيام ليل، ودمعة صادقة!
ولكن الخوف كل الخوف على من اقترفَ السَّيئة فلم يحزن، وعلى من عصى فظنَّ حلم الله عليه عجزاً، وعلى من فجرَ فسُتِر، فتمادى بدل أن يتوب!

يقول الدكتور محمد رجب: يا بُنيَّ، ليس أضرُّ ذنبك أوله ولا آخره، ولا دِقَّه أو جلِهُّ، وإنما مقتلُكَ عند أول ذنبٍ لم تتوجع له نفسكَ، ولم يستوحش منه قلبك، بل ألِفه واعتاده، ولم تجد فيه تلك الكسرة التي تحملكَ على التوبة! يا بُنيَّ لو أحسنَّا التفتيش في أيامنا لاستخرجنا ذنوباً كثيرة قد صارتْ من عادات الحياة، فما عادتْ تنتبه لحرمتها القلوب!
يا بُنيَّ: إنما أضرُّ ذنبٍ ما خدَّركَ!

أدهم شرقاوي

ان الله يحب معالي الأمور

على خُطى الرَّسول
إنَّ اللهَ يُحِبُّ معالي الأمور!

كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم سهلاً، عذباً، رقيقاً، ليناً، ينهى عن التكلف، ويُسلِّمُ على الأطفال في الطريق، ويرقع ثوبه، ويحلبُ شاته، ويخصِفُ نعله، ويمازحُ زوجاته، ويزور أصحابه، كان بسيطاً دون سذاجةٍ وحاشاه، وعظيماً دون تكبر وحاشاه، ولكن البساطة التي مارسها ودعا إليها هي في شؤون الحياة العادية، فكان يقوم بها دون تعقيد، ولكنه نهى عن الاشتغال بالتوافه من الأمور، وحثَّ على علو الهمة في السعي إلى الآخره، لهذا قال: إنَّ الله يُحِبُّ معاليَ الأمور، ويكره سفاسفها!

كان الإمام أحمدُ يكثِرُ من ذكر شيخه الإمام الشافعي أمام أهله، ويُثني عليه، ويُعظِّمُ شأنه، وزار الإمام الشافعيُّ يوماً تلميذه الإمام أحمد في بيته، تناول الضيّفُ الطعام، ومضى إلى فراشه، ثم صلى بأهل البيت صلاة الفجر، ثم عاد إلى مضجعه ليكمل أذكاره...
كان كل شيء يبدو عادياً جداً إلى حين قالت ابنة الإمام أحمد له: يا أبتاه أهذا هو الشافعي الذي كنتَ تحدثني عنه؟
فقال: نعم يا ابنتي
فقالت: سمعتك تُعظِّم الشافعي، وما رأيتُ له هذه الليلة لا صلاةً ولا ذِكراً ولا وِرداً، وقد لاحظتُ عليه أموراً ثلاثة!
فقال: وما هي يا ابنتي؟
فقالتْ: عندما قدَّمنا له الطعام أكل كثيراً على خلاف ما سمعته عنه، ولم يقُم ليصلي الليل، وعندما صلى بنا الفجر لم يتوضأ!
فأخبرَ الإمامُ أحمد الإمامَ الشافعي بما قالته ابنته
فقال الشافعي: يا أحمد لقد أكلتُ كثيراً لأنني أعلمُ أن طعامكَ حلال، والطعام الحلال دواء، وبي مرض، فأكثرتُ من طعامكَ لا لأشبع وإنما لأتداوى!
وأما أنني لم أقم لصلاة الليل، فلأني عندما وضعتُ رأسي لأنام، نظرتُ فكأنَّ أمامي الكتاب والسُّنة، ففتح الله عليَّ باثنتين وسبعين مسألة من علوم الفقه، رتبتها في منافع المسلمين، فحال التفكير بها بيني وبين قيام الليل!
وأما أنني صليتُ بكم الفجر بغير وضوء، فواللهِ ما نامتْ عيني حتى أجدد الوضوء فصليتُ بكم الفجر بوضوء العشاء!
ثم ودَّعه ومضى، فقال الإمام أحمد لابنته: هذا الذي عمله الشافعي الليلة وهو مستلقٍ أفضل مما عملته وأنا قائم!

لقد أعطتنا ابنة الإمام أحمد درساً عملياً في الاهتمام بمعالي الأمور وترك سفاسفها! فملاحظاتها كانت حول طعام كثير لا تعهده من الفقهاء، وحول قيام الليل، ووضوء الفجر! إنها لم تُعلِّق على ثياب الإمام الشافعي، ولا عمامته، ولا شكله، ولا مظهره، فالاشتغال بالمظاهر، وبفلان لبس كذا، وفلانة اشترت كذا، وعِلاَّن سافرَ، وعلتان عاد، هو من سفاسف الأمور0
انظروا إلى الدنيا بعين الآخرة تعتادون الاهتمام بمعالي الأمور!

أدهم شرقاوي

عجوز بني إسرائيل


مثل عجوز بني إسرائيل!

نزلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً في ضيافة أعرابيٍّ فأكرمه، وعندما همَّ بالرحيل عنه قال له: يا أعرابي اِئْتنا. يريدُ أن يردَّ إليه معروفه، فهكذا كان يحفظُ المعروف ولا ينساه!
ثم إن الأعرابي لم تطلْ به المدة حتى جاءه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أعرابي سَلني حاجتك
فقال: ناقة نركبها، وأعنزٌ يحلبها أهلي!
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعجزتَ أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل؟!
فقال أصحابه: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل!
فحدَّثهم أن يوسف عليه السلام كان قد أوصى قومه إذا خرجوا من مصر أن يحملوه معهم ليُدفن في الأرض المقدسة، ولمّا أعلَمَ موسى عليه السلام بني إسرائيل أن وقت الخروج من مصر قد حان، أخبروه بوصية أخيه يوسف، فسألهم أين يقع قبره ليُنفِّذوا وصيته. فأخبروه أن لا أحد يعرف مكانه إلا امرأة عجوز طاعنة في السن، فطلب منها موسى عليه السلام أن تدله على مكانه، فرفضتْ أن تُخبره حتى يعدها بأنها ستكون رفيقته في الجنة! فرفضَ لأنه لا يملك إدخال الناس الجنة أو النار، فأوحى الله تعالى إليه أن أعطِها ما طلبتْ! فأعطاها موسى عليه السلام طلبها، فدلتهم على مستنقع، وقالت جفِّفوا ماءه فتحته قبر يوسف عليه السلام! فجففوا الماء وأخرجوا جُثمان يوسف عليه السلام ونفَّذوا وصيته!

وانظُرْ لتواضعه، صعد إلى السماء السابعة، وبلغ مبلغاً لم يبلغه مخلوق من قبل، ولكنه عندما عاد إلى الأرض بقي مُتواضعاً، ينزل في خيمة أعرابي لا يعرفه أحد، ويحفظ له معروفه، ويطلب منه أن يأتيه ليُكافئه، فما بالنا نحن إذا امتلكَ أحدنا سيارة فارهة تمختَرَ بين الناس تمختُر قارون في أهل مصر، وإذا حاز على شهادة عُليا ظنَّ نفسه أحد كتبة الوحي، فتعالى على الناس وعبدَ لقبه، والويل ثم الويل لمن ناداه بإسمه مُجرَّداً من لقب دكتور، أو باش مهندس، تواضعوا فما نحن إلا من تراب وإلى تراب نصير!

الدنيا جسر عبور إلى الآخرة فلا تجعلها همَّك، وقد انزعج النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الأعرابي وقد فتحَ له باب الطلب، فإذا به يطلب ناقةً وأعنُزاً!
العمل شيء مشروع، ولا شيء في تحصيل المال، والعيب أن يكون الإنسان عالة، ولكن ثمة فرق بين أن تكون الدنيا في يدك وبين أن تكون في قلبك، فكُن عجوز بني إسرائيل في همتها لا الأعرابي في تفاهةِ طلبه!

الأعمار بيد الله، وقد كثُر موت الفجأة، فاكتُبْ وصيتك!
يرحل الأب الثري فلا يدري أولاده ما له وما عليه، وربما تشاجروا فيما بينهم على الإرث، كل واحد يُريد أن يحصل على المزيد من حق إخوته، فتتفرَّق العائلة، ويتشتت الأولاد، وينقطع الرحم!
المالُ عزيز، والنفسُ البشرية طماعة، فلا تترك أولادك خلفك في ساحة حرب، هذا يوسف عليه السلام قد أوصى لمئات السنوات بعد موته، وليس في وصيته تركة ولا درهم ولا دينار، ولا شيء ممّا يتنازع فيه الناس، فلماذا لا نُوصي نحن حفظاً لحقوق الورثة، وحفظاً لمالك، وكم من ميت مات فجاء أحدهم يقول كان لي عليه مال، والوَرَثة بين نارين، دَيْن قد يكون مزعوماً فيخسروا بعض ما ورثوه، أو دَيْن صحيح قد لا يُعطونه صاحبه فيحمل الميت وزره!
أدهم شرقاوي


ولو بشق تمرة


ولو بِشِقِّ تمرة!

كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالساً بين أصحابه، فجاءه قومٌ من مُضَر/قبيلة عربية، حُفاةٌ، ثيابهم بالية، فتمعَّرَ/تغيَّرَ وجهه لِمَا رأى بهم من الفقر، فدخلَ بيته ثم خرج، فأمرَ بلالاً فأذَّنَ، وأقام، فصلَّى، ثم خطبَ وحثَّ على الصدقة فقال: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظُرْ نفسٌ ما قدَّمتْ لغدٍ واتقوا الله".
تصدَّقَ رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه/قمحه، من صاع تمره، حتى قال: ولو بِشِقِّ تمرة!
فجاء رجلٌ من الأنصار بِصُرَّةٍ كادتْ كفه تعجزُ عن حملِها فوضَعَها بين يدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم تتابع الناس حتى صارَ في المسجد كومان من طعامٍ وثياب، فتهلَّلَ وجهُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كأنه فلقة قمر لمَّا رأى هذا التكافل والتراحم بين المسلمين، ثم وقف وقال مُثنياً على الأنصاري الذي بدأ في الصَّدقة وقلَّده الناس: "من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عملَ بها بعده من غير أن ينقصَ من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئةً كان عليه وِزرها ووِزر من عمل بها بعده من غير أن ينقصَ من أوزارِهم شيء"!

المُسلمون أُمةٌ واحدةٌ من دون الناس، وعائلةٌ واحدةٌ أبوهم القرآن وأمهم السُّنَّة، يشُدُّ بعضهم أزر بعض، يساعدُ قوِيُّهُم ضعيفَهم، ويُطعِمُ غنيُّهم فقيرَهم، ويُرشِدُ مُهتديهم ضالهم، ويُقيم قائمُهم مُتعثِّرَهم، يفرحُ بعضُهم لفرح بعضٍ، ويحزنُ بعضُهم لحزنِ بعض، يتهللُ وينتشي بعضُهم بنصرِ مُجاهدٍ في بلادٍ بعيدة عنه كأن النَّصر نصره وهو كذلك فعلاً، ويغتمُّ بعضُهم لمشهدِ طفلٍ تحت الركام قتلتْهُ يدُ الإجرامِ كأن الطفل طفله وهو كذلك فعلاً!

من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنة، أي ما ينفعُ الناس ولا يتعارض مع الشَّريعة! وهذا يشمل الدنيا لا الدين، وإلا من أنتَ لتُضيفَ للدِّين جديداً وقد قال ربنا قبل ألفٍ وأربعمئة سنة "اليوم أكملتُ لكم دينكم"!

كُنْ الأول في الخير ولكَ أجرُ من قلَّدك!
خَفِّفْ المهرَ على خاطب ابنتك بعد أن غلا، وكُنْ قدوة للناس، ولكَ أجرُ من قلَّدكَ!
اِبدأْ مشروع صدقة، بادِرْ بفكرة طيبة، قُمْ بحملةٍ لسد دين، وأخرى لعلاج مريض، الإنسان الذي يطلبُ لنفسه يصغُرُ، والذي يطلبُ لغيره يكبُرُ ويرتفع، فكُنْ مفتاحاً للخير!
أدهم شرقاوي