الخميس، 20 أكتوبر 2011

عجبا لأمر المؤمن

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم :
عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له . رواه مسلم .

وعند الإمام أحمد عن صهيب رضي الله عنه قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد مع أصحابه إذ ضحك ، فقال : ألا تسألوني مم أضحك ؟
قالوا : يا رسول الله ومم تضحك ؟
قال : عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خير ؛ إن أصابه ما يحب حمد الله ، وكان له خير ، وإن أصابه ما يكره فَصَبَر كان له خير ، وليس كل أحد أمره كله له خير إلا المؤمن .

تأمّــل :

أحد السلف كان أقرع الرأس ، أبرص البدن ، أعمى العينين ، مشلول القدمين واليدين ، وكان يقول : "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً ممن خلق وفضلني تفضيلاً " فَمَرّ بِهِ رجل فقال له : مِمَّ عافاك ؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول . فَمِمَّ عافاك ؟

فقال : ويحك يا رجل ! جَعَلَ لي لساناً ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، وبَدَناً على البلاء صابراً !

سبحان الله أما إنه أُعطي أوسع عطاء

قال عليه الصلاة والسلام : من يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يتصبر يصبره الله ، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر . رواه البخاري ومسلم .

وعنوان السعادة في ثلاث :

• مَن إذا أُعطي شكر
• وإذا ابتُلي صبر
• وإذا أذنب استغفر

وحق التقوى في ثلاث :

• أن يُطاع فلا يُعصى
• وأن يُذكر فلا يُنسى
• وأن يُشكر فلا يُكفر ..
كما قال ابن مسعود رضي الله عنه .

فالمؤمن يتقلّب بين مقام الشكر على النعماء ، وبين مقام الصبر على البلاء .

فيعلم علم يقين أنه لا اختيار له مع اختيار مولاه وسيّده ومالكه سبحانه وتعالى .

فيتقلّب في البلاء كما يتقلّب في النعماء
وهو مع ذلك يعلم أنه ما مِن شدّة إلا وسوف تزول ، وما من حزن إلا ويعقبه فرح ، وأن مع العسر يسرا ، وأنه لن يغلب عسر يُسرين .

فلا حزن يدوم ولا سرور = ولا بؤس يدوم ولا شقاء

فالمؤمن يرى المنح في طيّـات المحن
ويرى تباشير الفجر من خلال حُلكة الليل !
ويرى في الصفحة السوداء نُقطة بيضاء
وفي سُمّ الحية ترياق !
وفي لدغة العقرب طرداً للسموم !

ولسان حاله :

مسلمٌ يا صعاب لن تقهريني = صارمي قاطع وعزمي حديد !

ينظر في الأفق فلا يرى إلا تباشير النصر رغم تكالب الأعداء
وينظر في جثث القتلى فيرى الدمّ نوراً
ويشمّ رائحة الجنة دون مقتله
ويرى القتل فــوزاً

قال حرام بن ملحان رضي الله عنه لما طُعن : فُـزت وربّ الكعبة ! كما في الصحيحين

عندها تساءل الكافر الذي قتله غدرا : وأي فوز يفوزه وأنا أقتله ؟!

هو رأى ما لم تـرَ
ونظر إلى ما لم تنظر
وأمّـل ما لم تؤمِّـل

المؤمن إن جاءه ما يسرّه سُـرّ فحمد الله
وإن توالت عليه أسباب الفرح فرِح من غير بطـر
يخشى من ترادف النِّعم أن يكون استدراجا
ومن تتابع الْمِنَن أن تكون طيباته عُجِّلت له

أُتِـيَ الرحمن بن عوف رضي الله عنه بطعام وكان صائما ، فقال : قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني كُفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه ، وقتل حمزة وهو خير مني ، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال - أعطينا من الدنيا ما أعطينا ، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عُجِّلت لنا ، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . رواه البخاري .

إن أُنعِم عليه بنعمة علِم أنها محض مِـنّـة
يعلم أنه ما رُزق بسبب خبرته ، ولا لقوة حيلته

فمن ظن أن الرزق يأتي بقوّة = ما أكل العصفور شيئا مع النّسر !

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

لو كان بالحِيَل الغنى لوجدتني = بأجلِّ أسباب اليسار تعلّقي
لكن مَن رُزق الحِجا حُرم الغنى = ضدّان مفترقان أي تفرّق

والمؤمن إذا أصابه خيرٌ شكره ، ونسب النّعمة إلى مُسديها ، ولم يقل كما قال الجاحد : ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي )
أو كما يقول المغرور : ( إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) !

فالمؤمن في كل أحواله يتدرّج في مراتب العبودية
بين صبر على البلاء وشكر للنعماء

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : العبد دائما بين نعمة من الله يحتاج فيها الى شكر ، وذنب منه يحتاج فيه الى الاستغفار ، وكل من هذين من الأمور اللازمة للعبد دائما ، فإنه لايزال يتقلب فى نعم الله وآلائه ، ولا يزال محتاجا الى التوبة والاستغفار . اهـ .

فالعبد يعلم أنه عبدٌ على الحقيقة ، ويعلم بأنه عبدٌ لله ، والعبد لا يعترض على سيّده ومولاه .

واعلم بأنك عبدٌ لا فِكاك له = والعبد ليس على مولاه يعترضُ

أين هذة الأخوة

أين هــذه الأخـــوة ؟





إخوتاه :


يا لهف نفسى على خل إفتقدت يداى يده !!

يا لهف نفسى على أخ كان ودى وده !

كان يجمعنا رباط فتناثر عقده .

كان لا يفارقنى سبيلاً فكيف بغول الطريق بعده ؟ !

وكأنها الدنيا تأبى حبيباً تديمه فما يلوح حتى ترده .

وكيف صفاء العيش للمرء بعدما تغيب عنه رهطه وحبه ؟

أما كان ربى ربه ؟ أما كان قصدى قصده ؟

أما كانت صلا تنا صلات قلوبنا أم قد قطع عهده ؟

أما كنا إذا باشرنا معاً أمراً تدنو أقاصيه ويهون أشده ؟

يا قوم ، إنى أريد أخى هذا فمن ذا يدلنى عليه حتى أرده .


آه من زمن اتخذ الناس فيه أهواءهم آلهة من دون الله !!

آه من زمن عبد الناس فيه المادة وأقبلوا على المنافع والمصالح !!

آه على زمن الفرقات والشتات ، آه على زمن قانونه " هات هات " ، زمن الجلب دون العطاء ، زمن الأنانية وحب الذات ، بل قل عبودية الذات .






ياقوم إنى أبحث عن حبيبى فى الله ، عن مؤنسى فى وحشتى ، عن مشاركى فى غربتى ، فهل بالله وجدتموه ؟.. هل بالله رأيتموه ؟ .






الأخوة صفاء القلب لله ، طمأنينة الفؤاد ، وراحة البال ، وهدوء الضمير ،

فلا نرتقب خوف الغدر وحسد الأعين وأذى الأيدى وكيد القلوب وحقد النفوس ، إنها ظلال الحب فى الله .

نحتاج إلى أخ كالمرآة ، يقيل كل منا الآخر من عثراته ، يحوطنى وأحوطه من ورائه ، يقيمنى وأقيمه ، يعيننى وأعينه ، فأين هذه الأخـــوة ؟!!


إن السبيل إلى إيجاده يبدأ من ذات كل واحد منا ، إننى كى أجده لابد أن أبدأ بنفسى .. فأكون أنا أخاك قبل أن أنتظر أن تكون أنت أخى .

كن أنت أخاً لكل من ترجو منه نظير ذلك تجن جزاءك وفاقاً .






أخى ...

امش ميـلاً وعد مريضـاً ، وامش ميليـن وأصلح بين اثنين ، وامش ثلاثة وزر أخاً فى الله ،

هـــذا جمال الأخوة ما أروعه !

هذه نسمته ما أجملها ! تلك روضاته ما أحلاها ! ..


فالأخوة الترنيمة الجميلة التى تهدأ بها النفوس ،

الأخوة الواحة التى فى ظلها تستريح القلوب .






كان محمد بن واسع يقـول : لم يبق من حلاوة العيش إلا ثلاث : الصلاة فى جماعة ، وكفاف من معاش ، وأخ يحسن المعاشرة .


( قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه ) رواه مسلم

هذه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما الثالثة فهى محل الشاهد " أخ يحسن المعاشرة "


قال ابن الجوزى : " وأخ مخلص وفى أندر من عنقاء مغرب " .


اللهم ارزقنا إخواناً نحبهم ويحبوننا ، ولكن حذار من فوات الإخلاص ! والإخلاص عزيز .






إخوتاه :


الأخ لأخيه أشد إلتصاقاً من الكف بالمعصم ،

ولاخير فى الكف المقطوعة ،

ولا خير فى الساعد الأجزم ،

إذا فزت بأخ فى الله فتمسك به ،

فأخ إخاء خير من أشقاء ولادة .






إخوتاه :


أخوك.. من خالفك على الهوى ، وأعانك على الحق ، وإن خالف الحق هواك .

أخوك .. من وافق سره علانيته ، فالصدق ! الصدق ! .

أخوك .. إذا صد عنك أقبلت إليه ، وإذا بعد عنك تدانيت منه ، وإذا حرمك بذلت له .

وإياك والتلون فى الوداد ، فالمودة ماء الحياة ،

ولا خير فى متوادين ينمو بينهم الخلل ،

وكل ما يعكر وداد الأخوة الصادقة سحابة صيف ما تلبث أن تنقشع ،

والعين حينئذ تنطق ، والأفواه ساكتة حتى ترى من ضمير القلب تبياناً .






إخوتاه :


لا خير فيمن يبادر السلام وتحت ضلوعه قلب سقيم ،

إذا سلم اللسان ، وصافحت اليد

فلا بد أن يسلم القلب كما سلمت النظرة والهمسة والابتسامة والكلمة .






إخوتاه :


كان بعض السلف يحذر من الإفراط ، ويدعو إلى ازدياد المودة فى القصد ، وخفض الصوت ، وقلة الإعجاب ، ولزوم التواضع ،

وترك الخلاف ، وعدم الإكثار على أخيك بالأعمال فيملك ويسأمك ، يقول : فإن المرضع إذا كثر مصه ربما ضجرت أمه فتلقيه


قال إياس بن معاوية لشيخ له : ماذا أفادك الدهر ؟ قال الشيخ : العلم به

قال إياس : ماذا رأيت أحمد ؟ قال الشيخ : أن يبقى للمرء أحاديث حسنة بعده .






إخوتاه :


يامن تعانون الأحزان ، وتقاسون من المحن والأشجان ، إخوانك جلاء أحزانك .

مر عبد الله بن مسعود مرة على أصحابه فقال : أنتم جلاء أحزانى .

نسأل الله أن يعافينا من الهم والحزن ، ومن العجز والكسل ، ومن الجبن والبخل ، ومن غلبة الدين وقهر الرجال .






إخوتاه :


أخوك حارسك ، عينك التى تبصر بها ما لا ترى .

أتى عمر بن عبد العزيز لأحد العلماء فقال : إن الملوك يجعلون العيون على الخليقة ، وأنا أجعلك عيناً على الخليفة ،

خذ بتلابيبى وقل : اتق الله يا عمر .






إخوتاه :


تمتعوا بلذة الحب فى الله ، وتواصوا بوصية الفاروق عمر رضى الله عنه حين قال : جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة .

ومن رقة الأفئدة تبدأ المودة ، فعاشر الأخوة بالبشاشة والبسمة اللطيفة وطلاقة الوجه وإنفراج الأسارير .

قيل لأحد السلف : ما أبشك !! قال : إنه يقوم على برخيص نعم ما يكلفك شيئاً فلماذا تضن به ؟


قال حبيب بن ثابت : من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو يبتسم .






إخوتاه :


من لي بأخ يصفو لي كصفو الماء الزلال ، لقاؤه يسر ، وعده وفاء ، بعيد عن السوء ، لسانه عف ، طرفه كريم .


قال أحدهم : بلغنى عنك شيئاً كرهته .

فقال له أخوه : لا يضرنى عندك .

قال : ولم ؟

فقال له : لأنه إن كان ذنباً غفرته ، وإن كان باطلاً لم تقبله .

فقال له : مثلى هفا ومثلك عفا .

قال : مثلك اعتذر ومثلى اغتفر .






إخوتاه :


بعد كل هذا هل نويت ؟ .. هل ستزداد محبة لإخوانك ؟ .

هل ستحسن أخلاقك مع خلانك ؟ .. هل سيحسن ظنك بهم ؟ .


رجاءً ضعوا هذه الكلمات دائماً أمامكم ،

واتخذوا من الآن إخوة تحبونهم فى الله ،

تبحثون عنهم وستجدونهم ، تمد إليهم يدك لتتعاونوا على طاعة الله .


الأخوة كنز أغلى من الذهب

زين فى الرخاء ، وعدة فى البلاء .






هذا والله تعالى اجل وأكرم وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .