إنما بعثتم ميسرين


إنما بُعثتم مُيَسِّرين!

بينما النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالس في المسجد مع أصحابه إذ دخلَ أعرابيُّ فقال: اللهمَّ ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لقد تحجَّرْتَ/ضيَّقتَ واسعاً!
فلم يلبث الأعرابي طويلاً حتى قام يبولُ في زاوية من زوايا المسجد فهرعَ إليه الصحابة ينهونه، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا تزرموه/لا تقطعوا عليه بوله، دعوه!
فلما انتهى الأعرابي، أشارَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مكان بول الأعرابي، وقال: أهريقوا/صُبُّوا عليه دلواً من الماء!
ثم قال لهم يُعلمهم درساً عظيماً من دروس الدعوة إلى الله: إنما بُعثتم مُيَسِّرين ولم تُبعثوا مُعَسِّرين!

الدرس الأول:
لا تقبل مديحاً فيه مُخالفة للشرع، فلم يرضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قول الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! وأخبره أن رحمة الله واسعة ولا يحق لأحد أن يُضيقها!

ودخل ابن هانئ الأندلسي على الحاجب المنصور في الأندلس وقال له:
ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنتَ الواحد القهارُ

وكأنما أنتَ النبيُّ محمدٌ
وكأنما أنصارك الأنصارُ

فأمر الحاجب المنصور بجلده، وقال له: واللهِ لا تُساكنني في أرض واحدة، ونفاه إلى المغرب!

الدرس الثاني:
الإنسان ابن بيئته وطبعه ومألوفه، وهذا أعرابي اعتاد حيث أدركته حاجته أن يقضيها، فترفَّقَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتعاملَ مع الموضوع على قُبحه بهدوءٍ واتزانٍ، في حين أنه كان يُؤدِّب أصحابه على هفواتهم لأنهم تربّوا ونضجوا على يديه، تماماً كما نزع خاتم الذهب من يد رجل من الأنصار ورماه أرضاً وقال: يعمدُ أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده!
فتفهموا طباع الناس وعاداتهم وأنتم تتعاملون معهم!

الدرس الثالث:
العاقلُ يُقدِّر العواقب، ويختار أخفَّ الأضرار، لقد أمرهم أن لا يقطعوا على الأعرابي بوله، لأن في هذا ضرر عليه، ولو فعلوا لنجّسَ ثيابه، ثم نجَّسَ قدراً أكبر من المسجد، وهذا مبدأ عظيم من مبادئ الدعوة إلى الله: يجب أن لا يؤدي رفع الضرر إلى ضرر أكبر منه!

الدرس الرابع:
إنما بُعِثتم مُيَسِّرين، ولم تُبعثوا مُعسِّرين!
إنَّ الله يفتحُ باللينِ قلوباً لا تُفتح بالسيف، ويهدي بالرفق أقواماً ما كانوا ليهتدوا بالشِّدَّة والعنف! العاصي إن لم يجد في الداعية حُباً وشفقة فما الذي سيدفعه لترك معصيته، كثيراً ما تؤدي الموعظة القاسية إلى الاستمرار في المعصية عناداً، ووظيفتنا أن نأتي بالناس إلى الله، ونضع أقدامهم على الطريق، لا أن نقف بينهم وبينه!

أدهم شرقاوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عندما يصبح وجودك كعدمه

الخلل ليس بجسدي ولكنه بقلبي

احذروا الحزن